من دروس الهجرة النبوية حُب الوطن

• الهجرة من مكة إلى المدينة كانت حدثاً تاريخياً مهماً غيرّ مجرى الدعوة الإسلامية، وفيه الكثير من الفوائد والعبر، وكلما أهلت علينا ذكرى الهجرة النبوية المجيدة كان حقا علينا أن نستحضر دروسها الجليلة السديدة لتكون نبراسا يهدينا على طريق الحياة الكريمة الرشيدة، وتتعدد دروس الهجرة الشريفة الغراء مابين درس العزة والإباء ودرس الصبر والثبات والعزم والمضاء.. ودرس البذل والعطاء والتضحية والفداء إلى درس المروءة والإيثار والعرفان والوفاء.
• مع درس الوفاء والعرفان نستحضر قيمة عليا هي قيمة حب الأوطان، لنوقن ـ حق اليقين ـ أنها شعبة من شعب الإيمان وأنها آية كبرى على يقظة الضمير وسلامة الوجدان، فحب الوطن هو لبنة مهمة في أعز بناء كرمه الله ألا وهو: بناء الإنسان، وان أغلى درس في حب الوطن تلقته الدنيا ومعها تلقيناه هو ما علمنا إياه سيدنا محمد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حال هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حين هجر قوما استمروا في الفسوق والعصيان والكذب والبهتان والبغي والعدوان، ووفد إلى قوم جبلوا على الرقة والمودة والبر والإحسان وتهيئوا لمناصرة ومؤازرة أهل الحق والصدق والسلام والإيمان، وهاموا شوقا إلى مقدم نبي الرحمة حبيب الرحمن.. ولما بارح الرسول العظيم دروب مكة وشعابها وأوشك على الانفصال عن جبالها ووديانها وهضابها، وجه إليها خطابه وكأنما هو يناجيها مع مرارة فراق ما فيها ومن فيها بقوله : «والله إنك لأحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت ».
• لقد كان خروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة، رغم شدة وغلظة وعدم إنسانية أهلها أشد عليه من كل آلام الدنيا وأشق من كل أهوالها، ولقد كانت مؤامرات كفار قريش ومكرهم به تتراوح بين جرائم ثلاث تتماثل في كونها هي قمة الكروب والمحن، تلكم هى إعاقة الحركة والقتل والإخراج من الوطن. ذلك ما ورد في آيات القرآن الكريم «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين». وهكذا كان الحرمان من المواطنة أو الإخراج من أرض الوطن ـ وكل منهما هو قرين القتل، هو عذاب من العذاب، فتنة من الفتن، تنفطر لها القلوب والألباب.
• لقد ضرب الرسول العظيم لحظة الهجرة المثل الأعلى في حب الأوطان، وألقى درسه البليغ ليقرع كل الآذان ليتردد رجع صداه في كل زمان ومكان، موجهاً إلى البشرية عامةً، وخاصةً أهل الإيمان أن يجيدوا للوطن الانتماء وأن يحسنوا له الولاء، وأن يغاروا على أرضهم، فأرضهم هي صنو عرضهم، داعياً إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم ويؤويهم إلى التناغم والتضامن والتلاحم مع مجتمعهم، مع عشيرتهم وذويهم، أن يسودهم الود والحب والإلفة والإخاء، أن يكونوا متراحمين متعاطفين متآلفين رفقاء، وأن يظلوا كالبنيان المرصوص يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من شق صفهم، حرب على من عاداهم، يحرسون أرضهم واستقرارهم ومجتمعاتهم، من يعكر صفوهم، أو يهدد أمنهم هو كمن ناصبهم العداء وخانهم، يعكفون على العمل الدءوب والإنتاج والبناء ويتنادون إلى تشييد نهضتهم بعد أن يتنادوا إلى كلمة سواء، يودعون الحياة السلبية واللامبالاة والكسل، ويلتزمون جادة الايجابية وحسن القول وصالح العمل، يحرصون على طاعة الله وطاعة الرسول وأولى الأمر منهم وينفرون خفافا وثقالا إلى التعمير والتنمية والتشييد والبناء، يتدافعون بالمناكب على درب التقدم والرخاء والحب والإخاء على طريق التحضر والمستقبل المشرق الوضاء، زادهم وعتادهم الإيمان بالله وحب الوطن وصدق الانتماء له وعمق الولاء.
• نعم ليكن وعينا لدرس الهجرة وفاء بحق الوطن وإخلاصاً وصدقاً معه في السر والنجوى والعلن، إيماناً منا خالصاً لا يخالطه شك أو رياء، بأن من لا يحب الوطن ولا يجيد له الولاء هو جاهل بكل تعاليم السماء، جاحد لفضيلة العرفان والوفاء، لا يعلق عليه أمل .. ولا يرجى منه رجاء، وأنّ من لا يحرس وحدة وطنه، ويحمى نسيجه القوى المتين هو خائن لله ورسله، هو من إخوان الشياطين.
• إذاً فلتكن هجرتنا نحن، هجرةً من حال التراخي والضعف والإهمال والوهن، إلى حال العمل والإنتاج والإخلاص في حب الوطن، وهذا هو المفروض.

» دروس فى الحب جمييييييييلهً
» دروس فى علم الفيزياء - لطلاب المستوى الاول فى الجامعات